08-05-2020
- ٣ - الحاكمية
بناءً على أهمية الموضوع نبين هنا مرة أخرى: أن الجدال الذي دار بين الأنبياء والطغاة هو جدال حول الحاكمية أي موضوع الحاكمية ووضع القوانين. ومن الضروري أن يعلم في هذا الباب مرة أخرى: أن الأنبياء كانوا ممثلين للحق وشرع الله وأما الطغاة كانوا يمثلون الباطل والأصنام وقوانين الأصنام والشياطين. ومن هنا نرى أن التوحيد والشرك يعرضان أنفسهما في جدول الأعمال في مثل هذه النقاط. و هكذا: إن الذين يؤمنون بشريعة الله كالدستور للحياة، فهم يتخذونها قسطاساً وميزاناً لحركاتهم ولأفعالهم ولأقوالهم ولا يؤمنون بأي قانون ونظام غير قانون الله ودستوره وبالجملة فهم يكفرون وينكرون جميع أنظمة الوثنية والطاغوتية. هؤلاء هم أهل التوحيد وهم المؤمنون والمسلمون والموحدون والذين يهتمون ب"الدولة الإسلامية"، ويبايعون ويجتمعون تحت راية التوحيد ويتشرفون برفرفة راية التوحيد في أرض الله، ويحسون بالاطمئنان. وهكذا يعتقد أنه سوف ينال رضا الله وجنته.
ولكن الشرك: ماذا يُفعل؟ إنه يتأثر بمختلف دسائس وحيل الشيطان وينخدع بألعابه ومكائده؛ إذ تارة يأخذ بالتأويل، وتارة يتنازل، وتارة يتمسك بالمقام والشرف، وتارة يتبع المصالح. إنه يرتبط بالطاغوت من صميم قلبه، لا لشريعة الله، ويورد الديموقراطية على لسانه ويكررها صباحا ومساءً. أو يأخذ جزءًا من القوانين من أنظمة الباطل وجزءاً من الشريعة وهكذا يلبس الحق بالباطل. يعمل عمل النفاق، إحدى رجليه في المسجد والأخرى في النصب التذكارية لآتاتورك؛ وأكثر من ذلك:
أ – يقول إن "النظام العلمانية يُأَمِّن الحرية الدينية" يسندون الجهل والعجز بالله تعالى؛ والنقص في الدين وبذلك ينقضون صفة "الكمال" لله عز وجل في ثلاث آيات في سورة المائدة، وهذا شرك ويرتد به المسلم!
بـ – ويطلب الديموقراطية الحقيقية ويكون طرفاً للديموقراطية. ولكن بغير علم ويقع في غفلة بأنه لا فرق بين النجاسة الرطبة أو الناشفة ولا يدرك بوقوعه في الشرك.
جـ - ويقول "إن الحكم إلا للشعب" يعطون صفة الله تعالى للشعب بغير علم، وبذلك يجعلون الشعب صنماً وهكذا يدخلون الشرك ويرتدون.
د - ويقول: "لو كان آتاتورك (مصطفى كمال) على قيد الحياة لكان يأخذ مكانه في حزبنا." وكذلك نجد الشرك يبجل ويعظم عدو الله الذي وضع ٩٨ مادة ناسفة تحت أصول الدين بالذهاب إلى قبره عدة مرات. وهكذا أنهم بفعلهم هذا يعلنون تكراراً ومراراً كونهم مشركين ومرتدين.
هـ - ويلتزم بالكفر حينما يعهد نفسه في السير على نهج الحزب طبقاً لمادة رقم ٤ من قانون الأحزاب ودستور الشرك متعهداً ومتحالفاً على منبر المجلس على ملأ من الناس بأنه سوف يحافظ على دستور الشرك والقوانين الوثنية والانقلابات الشركية. وبذلك يكرر أيضاً دخوله في الكفر والشرك ويكون هو المخاطب في آية رقم ١٣٧ من سورة النساء وما بعدها من آيات القران.
صنفان من المشركين:
الصنف الأول: مثل شرك سليمان دميرأل مشرك مسجل بصراحة، والأخرى مثل شرك نجم الدين أربكان وهو مشرك منافق.
وما حكم الذين ينتخبونهم ويولونهم على رئاسة أعمالهم؟!.
نعم؛ الذين ينتخبون هذين الصنفين من المشركين ويولونهم على رئاسة أعمالهم. ويدافعون عنهم ويحبونهم من أعماق قلوبهم ويمدحونهم ويساعدونهم بأموالهم وأرواحهم ألم يقعوا موقعا أبعد من التراضي للكفر؟ وهم بأحوالهم هذه لا يدخلون تحت شمول كلمة "الأمة" التي تذكر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ستفترق أمتي سوف ينقسم إلى اثنين وثلاثين فرقة..." ولا يصنفون تحت أي حكم من "حرام لعينه وحرام لغيره" بل هؤلاء بهذه الأحوال يقعون في الشرك ويصنفون تحت حكم المرتد مثل رؤسائهم.
مخرجان:
نعم مخرجان؛ أحدهما يرجع إلى الماضي والأخرى يتوجه إلى المستقبل، مهما كان النظر بعين المطلق إلى الطريقة الثانية، ولكن تبقى الطريقة الأولى في نقطة التمني فقط. الطريقة الثانية: هي أن يتوبوا توبة نصوحاً ويجتمعوا تحت علم التوحيد للدولة الإسلامية، وهى طريقة وحيدة لمخلصهم. أما الطريقة الأولى: نجد البشر منذ سبعين وثمانين سنة عاشوا عصر الجاهلية والظلم والضغط، كما هو في ضرب المثل " الذي يقع في البحر يمسك الحية" وبحث مخرجا للنجاة. حينما وجد البشر في الخمسينات حزبا تمسك به وذهب إلى صناديق الانتخابات وفي هذه الفترة لم يجد إمكانية البحث والتدقيق. وهذا الوضع استمر حتى الثمانينات. ثم أعلنت منشورة بعنوان "هل الحزب طريق موصل إلى إقامة الدولة الإسلامية أم التبليغ ؟" وعرضت هذه المنشورة للتحقيق والتدقيق العلمي. وبعد هذا التاريخ أدرجت مراحل "التبليغ والتعريف والتحقيق والتسليم" في جدول أعمال العالم أي إن طريق التبليغ طريق موصل إلى الدولة، وهو طريق الأنبياء وهو منهج يعتمد على الوحي الإلهي. أما الطريقة الحزبية هي طريقة شيطانية وطاغوتية. وهذه الطريقة لا توصل المسلم إلى الدولة الإسلامية ولا تمكن إيصالها. وبعد أن لخصت طريقة التبليغ بهذا الشكل وبتعريف هذه الجماعة ظهرت جماعة التبليغ. وهذه الجماعة أثبتت مبادئها من ناحية، ومن ناحية أخرى تعددت وسائل التبليغ. وحتى أصبحت تستطيع إعلان وإحياء الدولة الإسلامية في ١٦ شوال ١٤١٢ هجري. وفى النهاية ظهرت الهداية الإلهية لمجموعة من المخالفين والمعارضين بعد التحقيق والتدقيق. واجتمعوا تحت علم التوحيد وما زالوا يجتمعون ويتسلمون! وقسم آخر تمسكوا بأسباب غير جدية واستمروا في مناهج الشرك، وأصروا وعندوا في هذا الطريق الباطل.
وبعد الآن انتهى عصر الجاهلية:
نعم، رفعت هذه الحركة صوتها عالياً يوماً بعد يوم وأسمعته إلى المستوى السياسي وإلى مستويات مختلفة من الناس بدأً من إدراج هذه الحركة في جدول أعمال العالم. وانطلاقا من قوله تعالى في سورة الحجر الآية رقم ٩٤ والآيات المتعاقبة أعلن بياناً بأسلوب شديد وقطعي تحت عنوان "الأصنام المعاصرة والوثنية اليوم" وجاء في هذا الإعلان بأسلوب واضح بأن جميع رؤساء الأحزاب ومنهم بولنت أجويت، أردال إينونى، دنيز بايقال، مسعود يلماز، سليمان دميرأل، نجم الدين أربكان وحسام الدين جندورك وأمثالهم وجميع سكان المجلس وهؤلاء الذين يذهبون إلى صناديق الانتخابات ويختارونهم بأصواتهم، إن هؤلاء جميعاً مشركون ولا يصلى عليهم هكذا أعلن للعالم كله. وأيضاً جاءت إلى مرحلة إعلان بأنه لا يمكن لأحد أن يعتذر في كون جميع الأنظمة الغير الشرعية صنماً وكون النظام الديموقراطية صنماً أيضاً وكون لبس الحق بالباطل صنماً، وأيضاً هؤلاء الذين يرجحون أحداً من هذه الطرق المذكورة سواء كان المـنُـتْـَخـِبُ أو المـُنْـتَـخَـبُ قد يقعون في الشرك ويصبحون مشركين.
على أهل للمبلغ أن يقولوا كلمة الحق:
وللمبلغ مهمة واحدة وهي: أن يقول الحق بأصولها وأسلوبها. ليس من مهمتهم أن يشقوا قلوب الناس ويجبرونهم على القبول. وليس من هدفهم أيضاً أن يتمسكوا بالجماعات ويكثروهم ، لأن أهل التبليغ يعلم ويؤمن بأن المرضى الذين يئسوا من الشفاء مهما حاولتم معهم لا يرجعون عما في نفوسهم وسيأتى يوم يذهبون ويتركونكم في نصف الطريق. أما الذين عندهم أمل من الشفاء لو ذهبوا سوف يرجعون لكم أيضاً، وسيجدون عند جماعتكم الاطمئنان و الأمان... وبناء عليه لا فائدة من التنازل وإلا ستكونون خادعين أنفسكم وتوجد هناك فوائد في انتهاج الأساليب الخشنة أنه يكشف المرضى إما يعالجون أو يموتون.
لنرجع إلى موضوعنا الأصلي:
من الملائم الإجابة عن الأسئلة المقدرة والمصرحة بأجوبة مختصرة بطريق الاستطراد ومع ذلك نحيط علماً أنه سوف نرجع مفصلاً إلى الموضوع الذي لا تجوز الصلاة على هؤلاء المرتدين والمشركين.
الحــاكميـة:
إن المؤمنين يعرفون ويؤمنون بأنه سبحانه وتعالى خلق الكون كله حياً كان أو جماداً، أرضاً كانت أو سماءً. ويتولى أمرها. ولله سبحانه وتعالى قانونان:
الأولى يسمى ب "القانون التكويني" ويجري نظام الأرض والسماء وما بينهما بهذا القانون، وتشمل المجرات وتحركات الكواكب والشمس والنجوم وسبحهم في فلكهم وكذلك النشوء والنماء والتلون والتشكل في عالم النباتات، والتناسل والتكاثر في عالم الحيوان، والتغذية والتربية، وعملية تشكل الأعضاء الداخلية والخارجية وانضباط نشاطاتها بانتظام تام وموتها وتحللها وفنائها بالحق وتبديلها بدلاً من الفانية وكلها تجري طبقا لهذه القوانين. والعلوم مثل علوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا (علم الأحياء) وعلم الفلك بماهية التفسير والتحليل تحت هذا القانون.
القانون التكليفي:
إن لله سبحانه وتعالى قانون يسمى ب"القانون التكليفي" وهذا القانون ينظم العلاقات فيما بين الناس. وينظم أيضاً علاقات الإنسان بينه وبين ربه، وعلاقاته بينه وبين بنية روحه وبدنه، وعلاقاته بينه وبين بيئته، وعلاقاته بينه وبين دولته، وعلاقاته بين حقوقه. والكتب السماوية هي المصادر والمتون المكتوبة لهذا القانون التكليفي. والأنبياء والرسل هم مفسرون ومترجمون ومبلغون لهذا القانون. ويسمى هذا القانون ب"الشريعة" أيضاً.
القانون الإلهي:
ويصح تسمية هذين القانونين ب"التكويني والتكليفي" باسم القانون الإلهي.
لا خطأ ولا ضلال:
وتثبت البحوث والمكتشفات العلمية أنه لا نقصان ولا خطأ ولا زيادة في القوانين وفي النظم الإلهية التي تنظم حركة الكون. وليس في استطاعة البشر تغيير هذه القوانين. وإذا حاول البشر في تغييرها والعبث فيها فيكون مجهزاً لنفسه الهلاك! لماذا؟ لأن كل شيء في مكانه الأصلي بتوافق تام كما قال الله سبحانه وتعالى:
تبارك الذي بيده الملك وهو على كلّ شيءٍ قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سماوات طباقاً مّا ترى في خلق الرّحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثمّ ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير. (الملك:١-٤)
ومعنى هذا: بما أنه لا يوجد أي نقصان أو زيادة في قوانين الله تعالى التي تنظم بها هذا الكون وكما أنه لا يستطيع أحد أن يغير هذه القوانين، وفى حالة محاولة تغيير هذه القوانين لا يكون للبشرية إلاّ الكارثة، وكذلك يجهز لنفسه الهلاك وأيضاً أن محاولة تغيير وتبديل القوانين الشرعية التي نزلت لتنظيم التوافق بين الناس قد يأتي بالكارثة بدل السعادة وبالضرر بدل النفع. إن القلق الذي أصاب عالم يومنا والغارات والاعتداءات على الأعراض واشتعال النيران، والاعتداءات، والنهب، وقطع الطرق، وبكلمة واحدة إن التوحش التي وقع فيها عالمنا اليوم هي بسبب إعراضه عن قوانين الشريعة التي أنزلها وأرسلها الله العادل المطلق والرحيم المطلق، وبسبب إدارة نفسه بعقله الناقص.
جمال الدين بن رشيد خوجا أوغلي (قابلان)
Heute | 2229 |
Insgesamt | 4690397 |
Am meisten | 42997 |
Durchschnitt | 1753 |