الحاكمية ١١

08-05-2020

- ١١ -   الحاكمية

 

وهناك قولان للعلماء: واحد منهما يقول"كفر دون كفر"، والآخر يقول إن آية ٤٤ من سورة المائدة نزلت في أهل الكتاب. ولا تناقض فيما بينهما. لأن الذين يقولون "كفر دون كفر" لا يريدون بقولهم هذا كل من حكم -كما ذكر سابقاً- بل المقصود منها بعض الحكام الخاصين المعلومين. ولكن الذين يقولون "إن هذه الآية نزلت في أهل الكتاب" يريدون أن يذكروا سبب نزول هذه الآية الجليلة. نعم، إن هذه الآية الكريمة نزلت في أهل الكتاب الذين هم أصدروا قوانين وأحكاماً تستند إلى عقولهم، ورضوا بها وآثروها على شريعة الله المنزلة. وبناء على هذا أنهم بأفعالهم هذه خرجوا عن الدين والإيمان. هذا هو المراد، وليس المعنى أن هذه الآية خاصة بأهل الكتاب فقط دون غيرهم من الأمم.

 

وانطلاقاً من هذه النقطة:

من أصدر من المسلمين من هذه الأمة الإسلامية أحكاماً مناقضة للآيات التي أنزلها الله تعالى وحكم بهذه الأحكام الوضعية من جانب، ومن جانب آخر ألغى الشريعة الإسلامية فطبعاً يصير كافراً قطعياً. والآن لنرى حديث النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في الصحيحين برواية عمر رضي الله تعالى عنه لتوضيح هذه المسألة:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْد ُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْد ُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ عَلَى الْمَرْأَةِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ * (صحيح البخاري: كتاب المناقب رقم الحديث: ٣٣٦٣)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ أَحْدَثَا جَمِيعًا فَقَالَ لَهُمْ مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ قَالُوا إِنَّ أَحْبَارَنَا أَحْدَثُوا تَحْمِيمَ (تسويد الوجه) الْوَجْهِ وَالتَّجْبِية (أن يحمل على دابة ويجعل قفا أحدهما على الآخر) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ادْعُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالتَّوْرَاةِ فَأُتِيَ بِهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَإِذَا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرُجِمَا عِنْدَ الْبَلَاطِ فَرَأَيْتُ الْيَهُودِيَّ أَجْنَأَ عَلَيْهَا.

هذا هو الحكم الذي كان في التوراة. ماذا فعل علماء اليهود؟ وهم تركوا الحكم الشرعي وأتوا بحكم العقوبات على حسب التحميم والتجبية ولكنهم لم يمسحوا آية الرجم في التوراة ولم يبدلوها. وباعتبار النتيجة نستطيع أن نقول هذا: إن وضع الأحكام المناقضة والمغايرة لشريعة الله سبحانه وتعالى وتنفيذها للجميع للجحود بالله تعالى وشريعته. أليس كفر فوق هذا الكفر؟ سواء إن كان هذا الموضوع من باب الأوامر أو من باب النواهي!..

وإذا نظرتم إلى معظم البلاد الإسلامية سترون أن جميع رؤساء الدول والقضاة الذين ولوهم على هذه الوظيفة ليفعلون أفعال الكفر الذي كان يفعلها اليهود.

 

نجـد فائـدة فـي إعادة هذا الموضوع التالي:

تفكروا آية كريمة في القرآن الكريم آمرة كانت أو ناهية لها سبب خصوصي لنزولها أي قد تسبب لنزولها إما عن شخص معين وإما عن واقعة معينة. فإذاً إن هذه الآية شاملة لهذا الشخص ولكل من هو شأنه مثل هذا الشخص. ونستطيع أن نقول بعد تحليل هذا الموضوع في قاعدة أصول الفقه: "إن الآية الكريمة تشمل بعبارته لهذا الشخص وبدلالته لكل أمثال هذا الشخص"، "لأن العبرة بعموم اللفظ لا بعموم السبب". نعم هذه قاعدة كلية. وبناء على هذا من عمل مثل عمل اليهود أي إذا وضع قانوناً وفضل الحكم بهذا القانون على الحكم بالشريعة الإسلامية فيقع في موقف اليهود الذي صورته آية ٤٤ من سورة المائدة ويقع كذلك في نفس هذا الحكم أي يصير كافراً. وفي هذا الصدد لنصغي إلى ما قاله ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري:

ويظهر أن يقال إن الآيات وان كان سببها أهل الكتاب لكن عمومها يتناول غيرهم لكن لما تقرر من قواعد الشريعة أن مرتكب المعصية لا يسمى كافرا ولا يسمى أيضا ظالما لأن الظلم الصفة الثالثة فمن ثم اقتصر عليها وقال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بعد أن حكى الخلاف في ذلك ظاهر الآيات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكما يخالف به حكم الله وجعله دينا يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكما كان أو غيره." (فتح الباري: ج: ١٣، ص: ١٢٠)

 

هـنا مسـألـة لابـد أن نـشـير إلـيـها:

"إن الحكم بما أنزل الله فرض على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعه. فمن لم يقبل أحكام الله عز وجل ولم يلتزم بها فقد كفر." هذه صفات الكافرين. وأما غير الكافرين فإذا عصى أحد الله تبعاً لهواه ونفسه وأنه يقبل أحكام الله ورسوله ظاهراً وباطناً ويلتزم بها فيصير ظالماً وفاسقاً وإن لم يكن كافراً.

 

الشــروط:

ولابد من توفير بعض الشروط لعدم التكفير لمن لا يحكم بالشريعة الإسلامية وليست الشروط للتكفير:

١ - قبول أحكام الله ورسوله ظاهراً وباطناً وتصديقها والتزامها، حيث أن من لم يقبل حكماً واحداً فقط فيخرج عن الملة الإسلامية ويرتد عن دينه.

٢ - قبوله واعترافه في القضية التي ردت إليه بأنه لم يحكم بما أنزل الله واعترافه كونه خاطئاً وآثماً واعترافه وقبوله أيضاً بأن الشريعة الإسلامية التي أنزلها الله تعالى لهي أصوب وأن الحكم الذي حكم به فخاطئ!..

من يقبل بلسان الحال أو بلسان المقال أن الحكم الذي حكم به من تلقاء نفسه لهو أفضل من الحكم الذي أنزله الله تعالى، أو يساويه، أو يقبل أن حكم الشريعة الإسلامية كان جارياً وصالحاً للأزمنة السالفة ولكن الآن قد فاتت صلاحيته، أو يقبل أن الشريعة الإسلامية صالحة في كل أوقات ولكن الحكم بما يصدره من تلقاء نفسه جائز، فإذا قبل أي واحد من هذه الأربعة المذكورة فلا شك في كفره وارتداده عن الملة الإسلامية.

٣ - وبشرط كون الحكم المخالف للشريعة الإسلامية في بعض الوقائع الفريدة وفي بعض المسائل المعينة والمحددة –كما ذكرت سابقاً- وعدم كون هذا الحكم حكم تغيير النظام الشريعة الإسلامية‍‍‍‍‍‍، وليس مثل ما فعل مصطفى كمال والأتاتوركيون وهم ألغوا الشريعة الإسلامية كنظام وأتوا بدلها نظاماً تبعاً لعقولهم. وإلا إذا كان الوضع مثل ما ذكرنا فيكون كافراً من حكم بغير ما أنزل الله تعالى ولو في حكم واحد، ولو قبل أن حكم الله تعالى هو الصواب والحق وأن حكم نفسه لخطأ فكذلك لا يخرجه عن وقوعه في حكم الكافر والمرتد ولا يستطيع أن ينقذ ماله من كونه غنيمة.

 

ولنمثل لهذا الموضوع ببعض الأمثلة:

تفكروا حاكماً عرضت عليه قضية السارق وهو يعلم ويؤمن أن السرقة حرام، وأن عقوبته قطع يد السارق وهو يقبل ويصدق هاتين المسألتين ويؤمن أيضاً أن الحكم بخلافه يؤدي إلى المعصية ويجعله آثماً ومع ذلك فهو لا يحكم بقطع يد السارق، بل يحكم بحكم آخر، وذلك إما لكون السارق من الأقربين له أو لكونه صديقه أو بالنظر إلى تحصيل أي مصلحة ما وهو يجد ما يبرر نفسه. إن هذا الحكم الذي حكم به هذا الشخص لا يؤدي حاكمه إلى الكفر ولا يخرجه من الظلم والفسق. لماذا لا يؤديه إلى الكفر؟ لأنه يعلم ويقبل ويصدق حكم الشريعة الإسلامية في هذا الباب. وفي نفس الوقت إن حكمه الذي يخالف الشريعة الإسلامية ليس بموجب النظام، بل إنه مسألة شخصية. ولماذا لا يخلصه من أن يكون ظالماً وفاسقاً؟ لأنه قد حكم بخلاف الشريعة تبعاًُ لنفسه وهواه. والسبب إما قرابته أو صداقته أو أي مصلحة ما!.. ولولا هذه المنافع والمصالح والقرابة والصداقة لحكم بحكم الشريعة الإسلامية ولقطع يد السارق.

 

ولنـبـحث هذا المـوضوع مـن وجـهة نـظر أخـرى:

١ - هو يقبل ويؤمن أن السرقة حرام ولكن العقوبة التي عاقب السارق بها هي إما السجن وإما الجلد وإما غير ذلك من أشباهها.

أما إذا لم تكن المسألة شخصية أي خاصة بل عامة وبموجب النظام المخالف للشريعة الإسلامية؛ أي مهما يكون السارق لا يتغير الحكم والقرار!.. انظروا! إن إصدار الحكم والقرار في زاوية هذه الشروط ليخرج الحاكم ومن أصدر هذا القانون عن الملة الإسلامية مثل اندفاع السهم من قوسه، ويدخلهم في الكفر كفراً فوق كفر ليس كفراً دون كفر. لأنه ما هذا؟ وما معناه؟ إنه تغير وتبديل أحكام وقوانين ربّ العالمين، ونظام الشريعة الإسلامية بالقوانين والنظم الوضعية.

٢ - إن النظام الجاري في تلك الدولة هل هذه شريعة الله عز وجل أم القوانين الوضعية؟ فمثلاً إذا قلنا إن النظام الجاري هي شريعة الله تعالى والدستور والقوانين مستندة إلى شريعة الله تعالى، ولكن حاكماً واحداً قد حكم خلافاً للشرع في قضية ما، وهو عالم بأنه عصى و ارتكب جريمة، واعترف ذلك، فهذا الحاكم يكون ظالماً وفاسقاً لا كافراً. وعليه التوبة والاستغفار.

ولكن إذا كان النظام الجاري قوانين وضعية -كما كان الوضع في تركيا- فاتخاذ القرار بأي واحد من هذه القوانين وتبديل حكم الله سبحانه تعالى بالحكم الجاهلي وتغيير شريعة رب العالمين بالقوانين الوضعية، فهذا يخرج الإنسان عن الملة الإسلامية والدين كخروج السهم عن قوسه ويصيره كافراً ومشركاً ونجساً.

٣ - إن اليهود في البداية كانوا يحكمون بالقوانين والأحكام المختلفة لوقائع معلومة ولحوادث معينة ولأشخاص خاصة، أي كانوا يحكمون أحياناً بالتوراة وأحياناً كانوا يحكمون بخلافها. وإن القرار الذي سيحكم به كان يتغير على حسب الأشخاص، ولكن هذا الوضع لم يبلغ إلى درجة النظام المخالف للشريعة، ثم بعد ذلك جعلوا هذه المخالفة نظاماً قانوناً عمومياً.

وبعد ذلك غيروا هذه المادة للشريعة وقننوها. وعدوها مشروعاً. وبذلك دخلوا تحت حكم آيات المائدة؛ كافرين ظالمين فاسقين (ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون-الظالمون-الفاسقون).

فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو ذاك وفي صحيح مسلم عن البراء ابن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا فدعاهم فقال هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قال لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك نجده الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد قلنا تعالوا فنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا التابعين إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل الله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سـمّاعون للكذب سـمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرّفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فـتـنـته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم (المائدة:٤١)

يقول ائتوا محمدا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله عز وجل ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون في الكفار (صحيح مسلم: ج:١١، ص:٢٠٩ )

هكذا كان اليهود في البداية يحكمون بآيات الرجم التي كانت توجد في التوراة. وكان هذا شريعة أعلنت عندهم أي الرجم. ولكن ماذا فعلوا مع مرور الزمن؟ أقاموا حد الرجم على الوضيع وتركوا الشريف. وذلك كان لكثرة الزنا في أشرافهم اجتمع علماء اليهود وبدلوا حد الرجم في التوراة وأتوا بدله بـ "التحميم والجلد". وجعلوا هذا الحكم الذي أتوا بدل الرجم قانوناً عمومياً... وماذا فعل الله بعد ذلك؟ فأنزل الله تعالى آيات المائدة المذكورة. في هؤلاء وفي من يتبع ما وراءهم وبـيّن أن الذين يصدرون القرار ويقننون تبعاً لهواهم فهم الكافرون والظالمون والفاسقون!

 

والشعب تابعة لنفس هذا الحكم أيضاً:

ولا يحسبن أن هذه الآيات إنما نزلت فيمن اتخذ هذه القرارات وفيمن أصدر القوانين وفيما أقام هذه القوانين وأن الشعب معفو عنها، كلا! إن الذين لا يحاولون لإزالة وإلغاء القوانين الكافرة ولا يحاولون لإقامة قوانين وأحكام الشريعة الإسلامية مرة أخرى ولا يجهزون أنفسهم لفداء أموالهم وأنفسهم والذين لا يجيبون إذا دعوا كما كان في يومنا الراهن والذين يؤيدون الأتاتوركيين الذين يصدرون القوانين ويؤيدون الذين يقيمون هذه الأحكام في المحاكم والذين ينفقون أموالهم لتأييد الأتاتوركية والديموقراطية وقوانين الحزب ويصوتون فألئك هم دخلوا في أحكام هذه الآية المذكورة واتخذوهم أرباباً من دون الله وصاروا كافرين وظالمين وفاسقين. وإن آية ٣٢ من سورة التوبة تعبير صريح لهذا الموضوع.

 

النتيجة:

إن هذه المسألة وهذه النقطة مهمة وحساسة ودقيقة. لقد انزلقت أرجل أستاذ قرقنجيلر وكثير من أمثاله وتدحرجوا إلى حفرة جهنمية بذلك المسألة. وعلى الأئمة والشيوخ أن يكونوا متنبهين ومتيقظين جداً عند مرورهم في هذه النقطة لأن الحكم وإصدار القرار في الحوادث والأشخاص وبيان هذه الأحكام والقرارات والنظم وإنزال الآيات الكريمة خاص لربّ العالمين فقط -نظاماً وقاعدة كلية- الذي عالم كل شيء وعلى كل شيء قدير والذي عنده مفاتيح الملك والملكوت ولم يمن ربّ العالمين هذا الحق لأحد من الناس ولا للأنبياء أيضاً. ومن خول نفسه وغيره لهذه الصلاحية فقد وضع بذلك نفسه مكان الله، وصاروا بذلك مشركين. هذا وإن حاكماً -في مثل هذه النقطة- إذا ترك الشريعة الإسلامية نظاماً وحكم بحكم غير شريعة الله تعالى فهو لا يستطيع أن ينقذ نفسه من كونه كافراً! ولا ينفعه تصديقه وقبوله كونه آثماً بفعله هذا وحكمه خاطئ، وحكم الله عز وجل لصواب، ولا ينفعه أيضاً توحيده بالله عز وجل بقوله "لا إله إلا الله" وصلاته وصيامه. ولا يستطيع أن ينقذ نفسه من كونه كافراً ومرتداً، ولا يستطيع أيضاً أن ينقذ نفسه عن إهدار دمه ولا ماله عن كونه غنيمة.

 

جمال الدين بن رشيد خوجا أوغلي (قابلان)


RISALE

ZÄHLER

Heute 2140
Insgesamt 4690308
Am meisten 42997
Durchschnitt 1753